عصر اقتصاد المحتوى الرقمي في الشرق الأوسط
تشهد المنظومة الرقمية اليوم حقبةً جديدةً مدفوعةً باتساع آفاق اقتصاد المحتوى الرقمي وما تبعه من توفير منصاتٍ واسعة الانتشار احتضنت المزيد من النجوم والمواهب الجديدة ووفرت البيئة المناسبة لإنتاج ونشر كميات غير محدودة من المحتوى الرقمي. وتمثل هذه الحقبة بداية "صناعة المحتوى" بوصفها مساراً مهنياً احترافياً، حيث تتزايد أعداد صناع المحتوى باستمرار، ويغطي محتواهم مختلف المواضيع، بما فيها التعليم والغذاء والسفر والموسيقى والكوميديا والجمال. ويُعزى الانتشار الواسع لصناع المحتوى إلى ميزات الوصول التي تتيحها الهواتف الذكية، حيث أنهم لا يرتبطون بحدود جغرافية أو طبقات اجتماعية أو ظروف معيشية معينة.
ومع تنامي اقتصاد المحتوى الرقمي الإقليمي في منطقة الشرق الأوسط، من المتوقع أن تتزايد شعبية صناعة المحتوى قريباً، ولاسيما في دول منطقة الخليج العربي، حيث طبقت حكوماتها قوانين صارمةً لحقوق النشر والملكية الفكرية. ولوحظ مؤخراً توجه المزيد من الشباب العربي نحو المنصات الاجتماعية المصممة لإنشاء ومشاركة مقاطع الفيديو نظراً لتزايد الطلب على المحتوى المحلي، وأدى هذا التحول في سلوك المستخدمين في استهلاك المحتوى إلى تعزيز صناعة المحتوى الرقمي في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. وأشارت الإحصائيات الحديثة إلى أن منطقة الخليج العربي تحتضن أكثر من 59 مليون نسمة، أغلبهم نشطون على وسائل التواصل الاجتماعي، مما يعزز جاذبية السوق الخليجية بالنسبة لصناع المحتوى الرقمي، ولاسيما في فئة الترفيه.
وساهمت وسائل التواصل الاجتماعي بشكل كبير في توفير فرص متزايدة لصناعة المحتوى، حيث سمحت لملايين المستخدمين بالتحول إلى صناع محتوى بكل سهولة، وباتوا يكتسبون معيشتهم بفضل محتواهم المدفوع. وتتوفر اليوم الآلاف من منصات صناعة المحتوى التي تتيح فرصاً هائلة، بما فيها التصميم وإنشاء مقاطع الفيديو والبث المباشر وصناعة الموسيقى والبودكاست والمحتوى المكتوب، وغيرها. كما اكتسبت بعض مواقع التواصل الاجتماعي مثل "فيسبوك" و "إنستغرام" ميزاتٍ إضافية إلى جانب إتاحة إمكانية التواصل والمشاركة، وتحولت إلى منصاتٍ إعلانية وترويجية.
وفي هذا السياق، استضافت أبوظبي العام الماضي النسخة الأولى من فعالية "فيدكون أبوظبي"، والتي جمعت أبرز صناع المحتوى الرقمي من جميع أنحاء العالم للتباحث والمشاركة واستنباط الأفكار الجديدة لتطوير هذا المجال. وشكلَّت الفعالية ملتقىً هاماً لرواد الأعمال والمديرين التنفيذيين وصناع المحتوى من منصات "تيك توك" و"سناب شات" و"فايس" و"أنغامي" و"سامسونج" و"نتفليكس" و"إنستغرام" و"تويتش"، شاركوا عبره استراتيجياتهم للنجاح في عالم المحتوى الرقمي. وشهدت منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا تزايد أعداد صناع المحتوى، لاسيما إثر الظروف التي فرضتها الجائحة حيث كانت فترة الحجر الصحي الإلزامي عاملاً كبيراً في ارتفاع الطلب على المحتوى المتنوع، ولاسيما المحتوى الترفيهي.
وبالرغم من أن صناعة المحتوى كانت تنافسية للغاية ومشبعة، إلا أنها تضم أكثر من 50 مليون صانع محتوى مستقل، وتم تقدير قيمتها بنحو 20 مليار دولار أمريكي في عام 2021. ومن المتوقع أن ينمو هذا السوق لتصل قيمته إلى 104.2 مليار دولار أمريكي هذا العام، وفقاً لمجلة "فوربس". وتعد سهولة الوصول إلى الإنترنت من أبرز العوامل التي ساهمت في ارتفاع أعداد صناع المحتوى بشكل كبير، إلى جانب الشغف المشترك الذي جمع العديد من الأفراد ودفعهم إلى إنشاء مؤسسات عديدة تعنى بصناعة المحتوى.
ويقضي صناع المحتوى ساعاتٍ طويلةً كل يوم لابتكار الأفكار الجذابة وصياغتها ضمن محتوى جذاب، بغية الارتقاء إلى المستوى العالي من التنافسية الذي تتصف به سوق صناعة المحتوى الرقمي المزدهر. وساهمت العديد من العوامل في نمو صناعة المحتوى، ومن أبرزها توافد الجماهير إلى الإنترنت خلال الأعوام القليلة الماضية بوصفه مصدراً رئيسياً للمعلومات والمعارف والترفيه لاسيما خلال فترة الجائحة وما تلاها، إلى جانب منصات التواصل الاجتماعي التي زوَّدت صناع المحتوى بالأدوات اللازمة لتحويل مواهبهم إلى مصادر ربح مالية وعزَّزت وصولهم إلى الجماهير حول العالم. ويحظى صناع المحتوى بالحرية الكاملة للتعبير عن آرائهم وشغفهم من خلال المحتوى الذي يصنعونه، وتمكن العديد منهم من بناء علاقة وطيدة ونشطة مع متابعيهم وبناء قاعدة جماهيرية كبيرة.
من ناحية أخرى، شهد عالم صناعة المحتوى تزايداً في تنافسيته مع توافد المشاهير، كممثلي الأفلام والمسلسلات وغيرهم من النجوم، حيث تشكل الشعبية التي يمتلكونها ميزةً إضافيةً تسهل انخراطهم في هذا المجال وتسرع وتيرة نجاحهم فيه دون الحاجة إلى بذل الجهود لجذب الجماهير كما هو حال صناع المحتوى الآخرين. إلا أن هذه الظاهرة لم تحد من شعبية هذا القطاع، وباتت العلامات التجارية تختار بعناية أبرز الشخصيات المتميزة والموهوبة من صناع المحتوى وتقدم لهم الدعم والحوافز من خلال رعاية مقاطع الفيديو أو الإعلان عن منتجاتها وخدماتها عبر المحتوى الذي ينشرونه.
ويمكن القول بأن مستقبل اقتصاد المحتوى في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا يبدو واعداً، نظراً للتحول الهائل في المشهد الإعلامي. علاوةً على ذلك، أتاحت تكنولوجيا الأجهزة المحمولة مستويات عالية من الوصول ساهمت في تغيير أساليب استهلاك المحتوى، حيث شهدت المنطقة تنامياً كبيراً في الجمهور الرقمي، بالتزامن مع توافد الشباب العربي نحو المنصات الرقمية، إلى جانب تزايد أعداد المتعلمين ومستخدمي التكنولوجيا بين السكان العرب. ووفرت هذه الاتجاهات الجديدة فرصاً غير محدودة لتطوير صناعة المحتوى الرقمي، وساهمت في تعزيز جاذبية أسواق تكنولوجيا الأجهزة المحمولة وصناعة المحتوى في المنطقة، وما نتج عن ذلك من توسيع معارف المستهلكين وتراجع منهجيات التسويق التقليدية.
يبرز صناع المحتوى اليوم في طليعة المؤثرين في القضايا المجتمعية والمواضيع الثقافية والمجالات التجارية، وقد نجحوا في جذب اهتمام بقية القطاعات، والتي تبنت هذه السوق الجديدة وعملت على دعمها وتنميتها. ومع ازدهار عالم صناعة المحتوى وما يحمله من فرصٍ للربح المادي وتوفير نمط حياة أكثر ترفاً وخالٍ من القيود التي تفرضها بيئة العمل التقليدية. ووجَّهت المؤسسات والعلامات التجارية الكبرى أنظارها نحو صناع المحتوى، وتشكلت إثر ذلك معادلة تجارية جديدة تستفيد منها هذه الجهات من شعبيتهم وثقة جمهورهم للترويج لمنتجاتها وخدماتها.
وبفضل الميزات المتعددة التي توفرها وسائل التواصل الاجتماعي لصناع المحتوى والاستثمارات الهائلة التي خصصتها لهم كُبرى الشركات والمؤسسات، وتهافُت العلامات التجارية لعقد الشراكات معهم والمساهمة في نجاحهم، فمن المؤكد أن صناعة المحتوى ستشهد نمواً كبيراً خلال السنوات القادمة. وتلعب هذه العوامل دوراً هاماً في تعزيز جاذبية بيئة المحتوى الرقمي ورفع مستويات التنافسية فيها بشكل متزايد، وتمهد الطريق لتوسيع آفاق هذا المجال، والذي سيصبح جزءاً لا يتجزأ من أعمال جميع القطاعات بمختلف أحجامها خلال السنوات القادمة.
للمزيد من المعلومات، يرجى التواصل معنا عبر:
الهاتف:
+971 4 4562888
البريد الإلكتروني:
business@orientplanet.com